لو أنّ القوافي تَؤول إلى غُصْنٍ رَهيفٍ لطائر القَطْقاط / نيلو ريزي

 

نيلو ريزي



شاعر ومخرج ومترجم إيطاليّ، ولد في عائلة برجوازيّة في ميلانو عام 1920، وتوفّي في روما عام 2015. كان أبوه طبيبًا مشهورًا، ذا ثقافة واسعة وحسٍّ إنسانيٍّ عميق. وكانتْ أمّه، أيضًا، واسعة الثّقافة، قويّة الشّخصيّة، زرعت في أبنائها حبّ الأدب والثّبات على القيم العلمانيّة.

أكمل نيلو دراسة الطّب، من أجل إرضاء أمّه، لكنّه لمْ يمارس المهنة. نشر مجموعته الشّعريّة الأولى عام 1941، تحت عنوان "الأعمال والأيّام". شارك في الحرب العالميّة الثّانية برتبة رقيب في الجناح الصحّيّ، وأُرسل إلى الجبهة في روسيا. وبعد إنتهاء الحرب شارك في تأسيس مجلّة (Avanti!) رفقة الشّاعر إليو ڨيتّوريني وآخرين. في الأثناء صادف أنْ قدِم إلى ميلانو مصوّران، أحدهما إتكليزيّ والآخر أمريكيّ، يبحثان عن أحد يرافقهما في رحلة تصوير في أوروبّا الّتي كانتْ تعاني الدّمار والخراب. وبعد تجوال طويل أدرك نيلو حبّه للتصوير والسّينما. في الخمسينيّات سافر إلى باريس والتحق بوكالة ماگنوم الشّهيرة. عاد إلى روما عام 1955، واستقرّ فيها، وبدأ مشواره في التّرجمة عن الفرنسيّة، وكذلك بدأ نشاطه في تصوير أفلام وثائقيّة، وأفلام سينمائيّة فيما بعد.

صدرتْ له تسع عشرة مجموعة شعريّة، وستّة عشر كتابًا مترجمًا، وأنتج أربعة عشر فيلمًا سينمائيًّا، وأحد عشر فيلمًا وثائقيًّا. وقد نال جائزة عن أحد أفلامه، وأربعة جوائز عن نتاجه الشّعريّ.

 




وقع الأذى


ثمّة أناس يتحرّقون رغبة، طوال حياتهم،

من أجل إيذاء الآخرين:

أيْن هو عَقِب آخيل، يصرخون، أين هو،

يثابرون بنحو دءوب،

صمٌّ، منهمكون، متعنّتون.

 

لو أنّهم يعلمون

كم هو أعزل هذا القلب،

ومهما ارتفع الدّرع

إنْ هي إلّا زوائد وقشور ،

ولو نظروا في الجوف

لأدركوا هشاشة الشّيهم.


*****

 

بوسعي أنْ أفهم...

 

لو أنّ قصيدةَ مديحٍ توفّر لكَ وجْبَةَ العَشاء

لو أنّ قَصيدةً غنائيّةً تَمْلأ بَيْتَكَ بالدِّفء

لو أنّ نَشيدًا يُداوي ضَغْطَ دَمِك

لو أنّ قَصيدةَ شعرٍ رَعويٍّ تُوفّر لكَ مرتّبًا

لو أنّ قَصيدةَ مادْريجال تَضْمَن لكَ التَّقاعد

لو أنّ القوافي تَؤول إلى غُصْنٍ رَهيفٍ لطائر القَطْقاط

لو أنّ الشِّعرَ، بأيّ حالٍ، يَنْفَعُ في شَيءٍ ما

لو أنّهُ مِهْنة تَدُرُّ عليْكَ بالمال...

 

أَلا لا يُضِعْ وَقْتَهُ وراء الأبْيات

مَنْ بِوسْعِهِ أنْ يَصْنَعَ ما هو أفْضَل.

 

*****

 

مادريجال

 

مَلأْتُ جُعْبتي بالأشْعار

لِكي أَقْطَعَ صَحارى الحُبّ، هُناك

حَيْثُ الرِّحلة تَحفّها الأخْطار

وتَسْتَلزم الحِيطةَ والحَذر

لأنَّ طاقَة القَلبِ قَدْ تَنْفد.

 

بِجُهدٍ جَهيدٍ تَحْفَظ وَجْه حَبيب

إذا ما الزَّمن التَهَم كُلَّ ما تَبقّى،

ولَيْسَ بِمَقدُورك المُضيّ بَعيدًا

بِفَضل صُورَة وَجْه مُعَلقَة على الجدَار،

إِذَا لَم تُقبَل عليْك اِبْتسامة،

أو هَيئَة ما، وبعذوبة تَلْتَهِمك.

ذاك هُو اَلسبِيل اَلوحِيد

لِلْبقَاء في هَذِي الحيَاة .

*****

 

عَائِلة وَاحِدة

العامل يُزيِّت اَلآلَة

الآلَة تُسْمِن ربَّ العمل

وَفِي المسَاء يُطِل كلاهُما

مِن شُرفَة تُطِل على المعْمل:

مَعْمَلنا ، يَقُول ربُّ العمل

أَمَّا العامل فَيؤثر الصَّمْت .



*****

 

تَقولُ أَنْتَ

 

الرّيح تقول، الرّيح

ألا تعلم بأنّ الغبار

إنّما يرفعه الرّجال

بضجيجهم الّذي يُحدِثون

وسخطهِم الّذي يُقلِق

صمت الأموات؟

 

الرّيح، تتّهم الرّيح

ألا تعلم أنّ أرضي

وهذه الأعمدة المعوجّة

ولون العيون العاجيّ

وأسراب السّنونو الممزّقة

قد أربكتها الحرب؟

 

تقول أنت: الرّيح

أوليس هذا زمان الرّبيع

والبرد يعتصر أرواح الأحياء

وإذا ما شيء حرّك

الأوراق وجعلها ليّنة

فما هو إلّا وجع العالم

المغلّف بالسّواد.

 

 

*****

 

داخل المادّة

 

دون قواعد يُرتَكز عليها

ليس بمقدورك رفع البنيان،

في أزمنة أخرى كانت الوصايا العشر

أمّا اليوم فليس سوى الشّعب.

الحقائق الجمعيّة، دائمًا، هي حقائق

كالشّمس، تصنع ضجيجًا جهنّميًّا،

هي طريق آلام ووثبة تُنجز

مِنْ أجل مَنْ يأتي لاحقًا

ومِنْ أجل انْطلاقة جديدة.


ترجمة

گاصد محمد

Commenti