كم من الأيّامِ وأنا أمضي وحيداً/ كلاوديو دامياني


 

كلاوديو دامياني




شاعر وكاتب مسرحي إيطالي، ولد عام 1957 في بلدة سان جوﭬـانّي روتوندو، في إقليم ﭘـوليا. عاش منذ طفولته في مدينة روما، وتخرّج في جامعة لا سابيتسا، في كلّيّة الآداب. ظهرتْ أولى نصوصه الشّعريّة في مجلة "Nuovi Argomenti"، ومن ثمّ توالتْ أعماله الشّعريّة حتّى بلغتْ ما يزيد عن ثلاث عشرة مجموعة شعريّة. من بين مجموعاته الشّعريّة: "بيتي - 1994" الحائزة على جائزة داريو بيلّيتسا، "المنجم - 1997" الحائزة على جائزة ميتاورو، "أبطال - 2000" الحائزة على جائزة مونتالي، "حول النّار - 2006" الحائزة على جائزة ماريو لوتسي، "ولادة - 2025" الحائزة على جائزة أوروبّا في أبيات.

أسّس، مع شعراء آخرين، مجلّة "Braci" عام 1980. تُرجمتْ نصوصه إلى لغات عدّة، منها الإنكليزية، الإسبانيّة، الألمانيّة والصّربيّة.

 

وهذا الصِّياحُ، يا حبيبتي، صِياحُ الزّيز

تحتَ شَمسِ تمّوز، في ريفٍ إيطاليّ

وتلكَ السّماءُ الزّرقاء، ونزْرٌ من الغيوم الصَّغيرة

وعبيرُ أكليلِ الجَبلِ النّفّاذ، وأزهارِ الجِنِسْتاوات

وهذا الصّياحُ الجنونيّ الّذي لا يكفّ

في الهواء الأبيض الملتهب،

وأنتِ وأنا تحتَ أشْجارِ الصَّنوْبرِ هذه

نرفعُ كأسيْنا ونقْرعُهما بِصمْت.

أنتِ ترتدينِ ثياب إلهةٍ، وتعقِدينَ خصلاتِك الطَّويلَة

وحبّاتُ لُؤلؤ تزّينُ شَعرَك،

وهناك، أعلى التَّلِّ، كوخُنا الخَشبيّ

وفي الأَسفلِ صخورٌ آوي إليها كلّ ليْلةٍ

أحدّقُ إلى البَحر وأبكي.


**********


حينَ ألوذ بالصّمتِ أسمعُكِ

فتهبطُ السَّكينةُ على قَلبي

كمْ مِنَ الوقتِ فتّشتُ عنكِ

كم من الأيّامِ وأنا أمضي وحيداً

دون أنْ أدري أيْنَ أضعْتُكِ

أو بالأحرى لمْ أُدركْ أنّني أضعْتُكِ

ولمْ أعِ حتّى أنّكِ كنتِ بجواري

كنتِ بجواري ولا أُبصرُكِ

أنتِ تتحدّثينَ إليّ وأنا أتساءلُ

من يكونُ هذا الصّوت؟

 

**********


نعم، لقَد بحثْتُ طويلاً

أمّا الآن فأرغبُ في التّسكّع،

التّسكّعِ لا غيْر

دونَ البحثِ عَنْ شيء.

نعم، لقد عثرتُ على شيءٍ ما،

لا أعني أنّني عثرتُ عليه،

بلْ مرّ بالقُرب منّي

وحينَ التفتُّ رأيتُ ذَنَبه،

ولمْ تكنْ بي رغبةٌ للّحاق به

فلنتركْهُ وشأنه، ولندعْهُ يجري

حيثُ يحلو له.

والآن، أودّ أنْ أكون أنا

ذلك الشّيء الّذي يبدو أنّه لا يُرى

أودُّ أنْ أكونَ أنا ذلك الشّيء الّذي يَتسكّع

الّذي يُلامسُك، يمرّ بجواركَ في الحلم

وأنتَ تنام، وأنتَ تأكلُ، وأنتَ تقرَأ

يمرُّ بمُحاذاتِكَ ويًداعبُك

ولعلّهُ يمنحُكَ قبلةً خاطِفة

وقبلَ أنْ تنتَبهَ لوجودي

أكونُ أنا قد اخْتفيْت.

 

**********

 

عناءٌ هي الحَياةُ في أحيانٍ كُثر

وفي أحيانٍ أُخرى تُقبِلُ أصباحٌ وضّاءة

ويقظاتٌ بهيّة، وثمّة الضّباب

وأنتَ كمنْ يصعد شِعابَ الجِبال

حيثُ تَزدادُ زرقةُ السَّماءِ شدّةً

ويبلُغُ سمعكَ ما يُشبه صَوتاً أو نِداءً

وكأنَّ هناك منْ يَدعونا جَميعنا إلى مَوضعٍ بِعيْنه

صوبَ تلكَ الغُيوم، وما وَراءها

وثمّةَ امرأة، لستُ أدْري منْ تَكون،

وما إِذا كانتْ تَبكي أو تَبتسِم، امرأةٌ فَقطْ

تَحني رَأسَها بِعذُوبة.  

 

**********

 

عَليكَ أنْ تَدفعَ ذِهنكَ، هذا ما عَليكَ فِعلُه

أنْ تدْفعهُ قُدماً، حتّى يَحتضَنَ المَجرّاتِ جَميعَها

والمادَّة المُعتمةَ والطّاقةَ المُعتمةَ جَميعَها

عَليكَ أنْ تَدفعهُ وتَدفعه، أبْعَد فأبْعَد

حتّى آخرَ ذرَّةٍ في كيانِك،

لا تُغادرْ شيئاً، ولا ذرَّةً واحدة، ولا تنْسَ

حتّى الأشياءَ الّتي لا تَعرفُها، ولا تُدرِكها

وتلكَ الّتي لا تتخيَّلُها، هذه أيضاً عَليكَ دَفعها

(أعرفُ أنّه أمرٌ غَريب، ولكنَّ هذا ما عَليكَ فِعلُه)

عِندئذٍ سَتشعرُ بقوَّةٍ أو طاقةٍ تتسرَّبُ إلى جَسدِك

قادِمةً مِنْ أعماقِك. وهذا هو وَجهُ الغَرابة،

إنَّها لا تأْتي مِنْ خارِجِك، كما قدْ تتصوَّر

بلْ مِنْ أعماقِك، كما لو أنَّ - وهذا ما قَدْ يُدهشُك -

الكونَ كاملاً يَقبعُ في داخِلك،

فلا تُفكِّرْ في الأَمر، واتْركها تُقبِل

وتتسعُ بأفْضلِ ما يَكونُ في أنحاء جسدك،

ثمّ انْعمْ بالمُفاجأة

بأنّك أفْلتَّ (أعرِفُ أنَّه أمرٌ غَريب) من بَراثنِ المَوت. 



ترجمة ﮔـاصد محمد




Commenti