أجّلْ هباتك، أيّها الألم الضّنين / سالڨاتوره كوازِيمُدو

 

سالڨاتوره كوازِيمُدو




ولد الشاعر كوازِيمُدو في 20 آب 1901، في بلدة موديكا، في جزيرة صقلية. يعدُّ أحد أكبر شعراء القرن العشرين الايطالي. حاز على جائزة نوبل للآداب في عام 1959. في يوم 14 حزيران عام 1968 أصيب الشاعر بجلطة دماغية أودت بحياته في غضون ساعات قليلة. دُفن في ميلانو، في المقبرة التذكارية، حيث يرقدُ الكاتب الايطالي الكبير أليسّاندرو مانتزوني.


رسالة إلى الأم

 

«أمّي العذبة، إنّ الضباب يهبط الآن،

وباضطراب ترتطم مياه الناڤيليو على السدود،

الأشجار بالطلّ تنتفخ، أو تحترق تحت الثلوج.

أنا لستُ حزينًا في الشمال:

لستُ في سكينة مع نفسي،

سوى أنّي لا أرقُبُ الغفران من أحد،

بل كثرٌ بالدموع لي مدينون،

إذا ما أرادوا أنْ يكونوا صادقين.

أعلم أنّك لستِ بحال جيّدة،

وأنّكِ تعيشين كأمّهات كلّ الشعراء،

معدمة وعادلة في تقسيم الحبّ

على الأبناء البعيدين.

ها أنا اليوم من يكتُب لك».

- أخيرًا، ستقولين، ها هي بضع كلمات

من ذلك الفتى الّذي غادر - في عجالة -

ذات ليلة، مرتديًا معطفه القصير

وليس في جيبه سوى حفنة أبيات.

مسكين وطيّب القلب ذلك الفتى،

سيقتلونه ذات يوم، ذات مكان.

وكيف لي أنّ أنسى،

يوم كنّا فوق ذلك الرصيف الرمادي

و القطارات في سيرها البطيئ

مثقلة باللوز والبرتقال،

عند مَصبّ إيميرا، حيثُ أسراب العقاعق

تحلّق فوق النّهر المترعِ بالملح وأشجار الأوكالبتوس.

لكنّني أشكرك الآن، هذا ما أودّ قوله،

لأنّك زرعت فوق شفتيّ السّخرية،

دافئة كانت كسخريتك.

تلك الابتسامة خلّصتني من بكاء وألم،

ولا يهمّ الآن إن كان لك في عهدتي دموع،

ولكلّ الأمّهات - مثلك - في لهب الأنتظار،

دون أنْ يعلمْنَ ما الّذي ينتظرْنَ.

آه، أيّها الموت الرحيم، لا تلامس

تلك الساعة الّتي تنبضُ فوق جدار المطبخ

وميناءها المطليّ المزيّن بالزهور،

حيثُ تقبع كلّ طفولتي.

**********

 

على أغصان الصّفصاف

وكيف نصدح بالغناء

والقلب تسحقه القدم الغريبة،

بين الموتى المهجورين في السّوح

وعلى العشب الّذي جمّده الصّقيع،

وثُغاء الأطفال، والصّرخات السّود

لأمّ تستقبل ابنها المصلوب

على عمود التلغراف؟

على أغصان الصفصاف، كنذرٍ،

علّقنا قيثاراتنا الّتي كانتْ،

بخفّة، تتراقص في الرّيح الحزينة.

 **********


الأوبوا الغريقة

أجّلْ هباتك، أيّها الألم الضّنين

في ساعتي هذه

من حسرات الهجران.

 

أوبوا من الجليد تبثّ

بهجة أوراقٍ سرمديّة

- لمْ تكنْ أوراقي -

فاقدة للذاكرة.

 

وفيّ ينبعث المساء،

والماء ينضبُ

فوق يديّ المُعْشِبتيْن.

 

وفي سماء شاحبة

ترفّ أجنحةٌ خاطفة:

يرتحل القلب،

أؤول أنا إلى أرضٍ مهجورة،

وهذه الأيّام إلى خراب.


ترجمة گاصد محمد


Commenti